لم يكن الخبر محليا وهو يتردد في النشرات الإخبارية الإذاعية والتلفزية، وكبريات الصحف والمواقع السويسرية، بنبرة مشوبة بالحزن تشيع مسارا استثنائيا للاعب كرة مضرب أصبح علامة سويسرية الصنع، بما انطوت عليه من صيت التفوق والإنجاز والأناقة. بطل من ذهب، كيف أصبح روجي هو فيديرير، الأسطورة، سفير سويسرا عبر العالم، اعتزال المعلم... تعددت الأوصاف بين صحف ومواقع "الزمن" (لوطون)، "منبر جنيف" (لاتريبون دو جنيف) أو "24 ساعة".. لكن لقب السفير تكرر أكثر من مرة في التقارير الإعلامية التي علقت على قرار روجي فيدرير الاعتزال، محددا دوري "لايفر" في لندن آخر موعد له أمام الجمهور. بل انضمت المستشارة الفيدرالية المكلفة بالرياضة، فيولا أميرد، إلى الشخصيات العامة التي وجهت التحية لـ "علم كبير جدا، ليس فقط كرياضي، بل كإنسان أيضا" (سويس أنفو)، هو الذي كان أول شخصية تكرم بإصدار طابع بريدي سويسري في حياتها، والذي منح اسمه للترام السريع الذي يجوب مسقط رأسه في بازل.
ليس الحدث مفاجئا تماما، لأن الجميع تابع نزيف الفارس المثخن بالإصابات المتوالية، وهو الذي غاب عن الميادين لأزيد من عام، كما أن الزمن ليس مجرد رقم مهما بلغت قوة الإرادة والتحدي. ومع ذلك، جاءت لحظة الإعلان مؤثرة وقوية الصدى. في سن الـ 41 عاما، لفيديرير أن يستريح بعد مسيرة طويلة متشحة بالألقاب ومفعمة بلحظات النصر، التي تواشجت مع قيم الروح الرياضية النبيلة وخصال الالتزام الإنساني، التي صاحبت تفوقه في ساحات الكرة الصفراء. ذلك أن كؤوس الغراند سلام ورحلات المنافسة المتوالية عبر خريطة الملاعب الشهيرة من رولان غاروس إلى ويمبلدون مرورا بأستراليا والولايات المتحدة وروما وغيرها، لم تزغ ابن مدينة بازل عن الانخراط في العمل التطوعي من أجل عالم أفضل عبر مؤسسته التي تعمل من أجل تشجيع تمدرس الصغار في إفريقيا. خارج أضواء المنافسة، فرض الشاب الهادئ الاحترام على أوسع نطاق نظير لطفه وانفتاحه فاستحق لقب "الجنتلمان". 
أكثر من عقدين من الممارسة عالية المستوى أثمرت 103 لقب وعشرين لقبا للدوريات الكبرى. لم تصمد الأرقام أمام شراسة منافسيه التقليديين رافاييل نادال وديوكوفيتش، لكن كثيرين من عشاق اللعبة وخبرائها يعتبرونه الأفضل في التاريخ، أسلوبا وفرجة على الخصوص. لكل زمان أبطاله. كانت رسالة البطل تجسيدا للروح التي زرعها رفقة جيل من عظماء اللعبة، فقد حرص على توجيه التحية والشكر إلى منافسيه، مستعيدا ذكرى مباريات حارقة لا تنسى. "لقد تنافسنا بنزاهة، وشغف وقوة، وقد بذلت وسعي لاحترام تاريخ اللعبة. لقد دفعنا بعضنا البعض إلى الأمام، وسويا رفعنا التنس إلى مستويات جديدة". ولعل رد فعل نادال على قرار الاعتزال يجسد هذه القيم التي منحت التنس خلال العقدين الأخيرين نكهة خاصة. "عزيزي روجي، صديقي وغريمي. كنت أتمنى ألا يأتي هذا اليوم أبدا. إنه يوم حزين لي شخصيا وللرياضة عبر العالم".
"من كل الهدايا التي وهبني إياها التنس عبر السنين، فإن أعظمها، بلا شك، أولئك الناس الذين التقيت بهم في مساري، أصدقائي، خصومي في الملاعب، وكل المحبين الذين يمنحون هذه الرياضة حياتها". هكذا دبج فيديرير رسالة وداعه عبر صفحته الاجتماعية التي تعلوها صورة الطفل الذي كان في دلالة الحنين الذي يسكنه إلى زمن الأحلام البعيدة. استعاد مرارة 3 سنوات من الإصابات والعمليات الجراحية، ليسلم بأن "لجسدي حدود وقد بعث إلي برسالة واضحة خلال الآونة الأخيرة". من 1500 مباراة على مدى 24 عاما، يقول روجي الذي قدم قبل وقت قليل شهادته حول المعتزلة سيرينا ويليامز، إن التنس أعطاه أكثر مما حلم به. 310 أسابيع أمضاها الرجل متصدرا الترتيب العالمي. رقم ودلالة.
بسخرية أمريكية النبرة، قال البطل السابق جيمي كونورس معبرا عن فرادة فيديرير في أسلوبه: "في التنس الحديث، فإن اللاعب إما متخصص في الأراضي الصلبة، أو في العشب. وإما أنه روجي فيديرير". تفترق الآراء بين محبي هذه الرياضة حول النموذج، لكن رجلا مثل جون ماكنرو لم يتخلف عن صراحته المعهودة حين قال إن "فيديرير هو أروع لاعب يمكن مشاهدته يمارس التنس".